إسلامي .. العنوان أم المضمون؟

أحيانًا قد يأخذنا الاهتمام بالأسماء بعيدًا بعيدًا، ونتعامل - نحن الدعاة - مع الناس بعقلية التجار لا بعقلية المصلحين، فنزداد بعدًا على بعد.

وقد ركزت كثيرًا - أخي الكريم - في استشارتك على لفظ "إسلامي: حفلة إسلامية، فرح إسلامي، أناشيد إسلامية..."، نعم أعلم أنك ستقول "هذا هو تعريفها كي تتمايز عن غيرها، وهذا ما تعارف عليه الناس"، وأنا أوافقك في أن هذا ما تعارف عليه الناس، ولكني هنا أطرح قضية أخرى: إذا كان هذا العنوان سيصد الكثيرين عن الخير؟ فهل هناك مشكلة في تغييره؟.

"احذر أن يكون همُّك العنوان، وقصدك الدويُّ والضوضاء، واجهد أن تُعنَى بالفعل غير معنيٍّ بالقول، وأن تطمح إلى الحقائق لا إلى الظواهر، وأن تحرص على أداء الواجب لا على العبث، وأن تقصد وجه الله لا وجه الناس، كن كتاباً مفيدًا وإن لم يكن له عنوان، ولا تكن كتابًا كله عنوان وليس وراء العنوان شيء" فإن هناك من الدعاة: "من لا عنوان لهم، وهم في تأدية الواجب، ونفع الناس، وإصلاح الأمة، والجدوى على البشر، أصلح وأعظم أثرًا من أصحاب العناوين التي تذهب في الناس كدوي الطبل، والطبل أجوف".

هذا ما قاله عبد الوهاب عزام رحمه الله، وصدق والله فيما يقول، فيا - أخي الكريم - إن كانت العناوين ستبعد الناس عنك، فاتركها بعيدًا، وابحث عن عناوين مقبولة عندهم، وحتى إن بقيت بلا عنوان، فماذا يضيرك إن كنتَ ذا تأثير وقبول عند الناس؟.

هذه واحدة، أما الثانية: فلقد لاحظت من خلال حديثك تركيزك على الأمور العامة؛ "حفلة، فرح، درس…"، ولا وجود للعلاقة الشخصية، للمعرفة الطبيعية بين البشر، هذا هو المفتاح الطبيعي للقلوب، وكما يقول الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: "عليك أن تبدأ بالطريقة الفردية في حوار هؤلاء واحداً واحداً، حتى يتم الأخذ والعطاء، ويفتح عقله ثم قلبه للحق والإيمان ومقتضاياته.

وأرجو أن يتسع صدرك لقسوة كلامهم، وأن تصبر على أذاهم إن صدر عنهم ما يؤذيك، وأن تلاطفهم وتحسن معاملتهم، وتختار الكلمة الطيبة للتودد إليهم، فإذا استطعت أن تغرس الإيمان في قلبه، فقد نجحت في تغيير كثير من مواقفه وقيمه وسلوكه، واستطعت أن تحطم هذا الحاجز النفسي عنده، وقدوتك في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم".

فتقرّب منهم، تودّد إليهم، حدِّثهم بحديث القلوب فـ"إذا حدث الرجل القوم، فإن حديثه يقع من قلوبهم موقعه من قلبه"، وبقدر ما يحمله قلبك من حب وود وصدق، بقدر ما يصل ذلك إلى قلوبهم، وكن أنت نفسك بأخلاقك وأفعالك سبيل الهداية والقرب، يقول الإمام الشافعي: "من وعظ أخاه بفعله كان هاديًا"، ويصف عبد الواحد بن زياد أسباب حبّ الناس للحسن البصري بقوله: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ، إلا لكونه إذا أَمَر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم منه".

فانتبه - أخي الكريم - إلى فعلك، فإنك منظور إليك، وإن من أشد ما يبعد الناس عن الداعية رؤيتهم ما ينقص من قدره في أعينهم.

فاستخدم قلبك وفعلك أولاً في التقرب إليهم، وكسب ودهم، وما إن وصلت إلى مفاتيح القلوب، فقد وصلت.

ثم ابدأ بعد ذلك بتعريفهم على بعض إخوانك، وشيئًا فشيئًا ستجدهم يندمجون معكم في حب وإخلاص حقيقيين، ولن يعود حينها للأسماء أي حساسية أو معنى، بل قيمة في نفوسهم.

استعن بالله - أخي الكريم - ولا تعجز، فإن معين الدعاة لا ينضب، فكأن مادتهم السحب، وكأن حديثهم الغمام، وكأن فعالهم الوابل الصيب الطيب، دعا الدعاةُ الناسَ بأخلاقهم، وعلَّموهم بأفعالهم، وفقَّهوهم بحكمتهم، وكما قال الإمام علي كرم الله وجهه في تفسير: (كُونُواْ رَبَّانِيِّين) في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ): "هم الذين يغذُّون الناس بالحكمة، ويربونهم عليها".

فغذِّ الناس بالحكمة، وربِّهم على الحب والود، واسبِقْهم إلى الخيرات، ودعك من العناوين والتزم بالمضامين والقلوب، تكن أهدى الناس، وأقربهم إلى التأثير والنجاح.

وفقنا الله جميعًا لخدمة دينه، ونشر دعوته، وهداية الناس إلى الخير